الاثنين، 29 فبراير 2016

تراجع العولمة

تراجع العولمة

فوجئت هذا الصيف بأن كثيرا من الأصدقاء والأحزاب السياسية يعانون الاكتئاب أو بعبارة أخري يعانون أزمة هوية.. نلاحظ مثلا أنه علي مستوي حزب العمال البريطاني أو الحزب الجمهوري الأمريكي أو حتي علي مستوي الاتحاد الأوروبي كله فإن كلمة "أزمة" هي الكلمة الوحيدة التي نسمعها من أزمة اليورو إلي أزمة اللاجئين.
منذ التسعينيات كنا جميعا نفترض أن العالم يصبح أكثر ديمقراطية وأكثر انفتاحا علي العولمة ولهذا فإنني بهت عندما علمت أن رجال الأعمال قد أوقفوا مشروعاتهم في الصين، وبحثت في الأمر وتأكدت من أن العالم قد أصبح بالفعل أقل عولمة. 
المؤشرات الرقميه تشير إلي أن العالم يواجه نهاية العولمة منذ أكثر من 8 سنوات والسبب ليس اقتصاديا لأن اتجاه التراجع بدأ قبل الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم عام 2008.. تراجع العولمة الاجتماعية أثارت دهشتي كثيرا لأنها عكس ما نسمعه ونراه كل يوم.. اعتقادي هو أن السبب نفسي لأن صدمات مهمة ضربت الشعوب في كل مكان وخلقت لديها أزمة هوية كان رد فعلها هو العودة للقبلية.
 
تغييرات درامية
لقد تغير المزاج العالمي كثيرا بالمقارنة بعشر سنوات مضت.. ففي 2005 كانت المؤشرات تشير إلي مزيد من التعاون العالمي.. فقد عين الرئيس بوش السيدة كونداليزا رايس وزيرة خارجية مع تعهد بمزيد من التعاون مع العالم في نفس الوقت الذي تم فيه إقرار دستور الاتحاد الأوروبي الذي أكد تكاملا كبيرا بين الدول الأعضاء وهذا في نفس الوقت الذي وافقت فيه روسيا علي معاهدة كيوتو وأصبحت جزءا من المجهود العالمي للسيطره علي المناخ وتزامن هذا مع مقابلة الرئيس الصيني لأول مره مع القيادة التايوانية.
كانت تلك السنة أيضا سنة أمل في الشرق الأوسط بدليل أن اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم يؤد إلي حرب أهلية.. مصر غيرت دستورها وعقدت أول انتخابات رئاسية.. العراق أقرت دستورها الجديد والذي بدا وأنه يحقق وعد الديمقراطية الذي أعلنه الغزو الأمريكي.. إسرائيل وافقت علي وقف إطلاق النار مع الفلسطينيين و سحبت قواتها من غزة.
 
لكن اليوم... تحول الأمل إلي يأس وأصبح واضحا أن السياسات طويلة المدي قد فشلت..
الأزمة المالية عام 2008 أفقدت الرأسمالية كثيرا من شرعيتها..
الاتحاد الأوروبي فقد رمزه الأساسي بانهيار منطقة اليورو..
النظام الشمولي الجديد في روسيا قام بغزو جورجيا عام 2008 وأوكرانيا عام 2014..
الصين نكصت عن وعدها بتطبيق الديمقراطية في هونج كونج..
الآمال الديمقراطية في الشرق الأوسط أدت لحروب أهلية في سوريا وليبيا واليمن والعراق وأسوأ من ذلك أدت إلي إنشاء الدولة الإسلامية ( لم يذكر مصر هنا؟).. 
أزمة التغيير المناخي سقطت إلي قاع اهتمامات العالم..
 

الاتجاهات المفقودة
في الفترة السابقة اتفق المتفائلون والمتشائمون علي اتجهات محددة للعالم: ديمقراطية أكثر .. شفافية اقتصادية أكثر .. حقوق إنسان أكثر.. تعاون دولي أكثر.. 
أختلفوا فقط علي سرعة التغيير..
لم يعد هذا هو الاتجاه الآن .. فقد عادت قوي القومية الشمولية والتطرف الديني للحركة بعنف.. أوضح مثال لذلك عودة القومية الشمولية إلي روسيا والاتجاه لذلك في أوروبا كما نري في اليونان والمجر.. أما في العالم العربي فقد وصلت قوي التطرف الديني إلي مستويات عالية جدا ..وأيضا في أجزاء من أفريقيا والهند وميانمار..الولايات المتحدة وأوروبا تبدو مرهقتين وغير قادرتين علي وقف هذا التراجع.. إنها ليست مشكلة غربية فقط .. العالم كله يبدو أنه ينزلق إلي أزمة هوية.
 
ماذا تعني أزمة الهوية؟
إنها حالة نفسية يمر بها الأفراد الذين حققوا أهدافا كبري عندما يشعرون بالاكتئاب والغضب والضياع ويبدأون في التساؤل عن أسس حياتهم نتيجة تعرضهم لصدمة ما وتؤدي هذه الحالة إلي فقدان الثقة واحترام النفس.
 
لمواجهة هذه الحالة يلجأ الأفراد عادة إلي التصرف بواحدة من الطرق الآتية:
الانعزال: عن المشاعر السلبية
الالتهاء: إلهاء العقل عن التفكير
الرغبة الخفية: بمعني التركيز علي الطاقة الإيجابية لأبعاد الطاقة السلبية بعيدا
التعلق بشيء ثابت: بمعني البحث عن ثوابت معلومة مسبقا مثل الدين أو الجماعة المغلقة أو فكرة أو أيديولوجية معينة
يبحث الناس عن دفء وأمن الانتماء إلي ما يسمي بالقبيلة
 
من المثير أن الناس في هذه الحالات يفضلون أن ينتسبوا إلي هوية قوية حتي ولو كانت سلبية الفكرة وما ينطبق علي الأفراد ينطبق أيضا علي الجماعات وأول من أجري بحثا عن هذا الموضوع كان جوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير سنة 1895 ( ملحوظة: لدي المترجم تلخيصا عربيا لهذا الكتاب)  
إن المجتمعات تعاني صدمات مثل الأفراد أيضا. الأبحاث أثبتت أن الصدمات تجعل المجتمعات تعود إلي تأكيد الاعتماد علي القانون والثقافة والمقدس وتتحول لمعاداة "الآخر" تطبيقا لأسلوب إيجاد كبش فداء.
غالبا ما تتضمن عملية الرجوع إلي القبلية خلق "أعداء" حيث إن الصراع ضد الأعداء يكون أساسيا في هذه الحالة ويعتبر الأعداء داخل القبيلة خونة غرضهم إضعاف القبيلة في صراعها الأزلي. 
 
ما حدث في أوروبا في الثلاثينيات من القرن الماضي مثال واضح لهذه العملية.. فبعد الصدمات المأساوية للحرب العالمية الأولي وانهيار ول ستريت في عام 1929 شعر الناس في أوروبا بالضياع .. ونتيجة لذلك مارس الناس فكرة التعلق بشيء ثابت مثل القبلية وظهر ذلك في انخراط جماهير كثيرة في الجماعات الفاشية والقومية الشمولية والشيوعية والكنيسة الكاثوليكية حيث شعروا بإحساس جديد بأهميتهم وبهويتهم الجديدة المؤسسة علي أمجاد الماضي.. البحث عن أعداء أدي إلي عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
 
أزمة الهوية التي يعانيها العالم الآن 
جاءت حالة العالم القبلية الحالية كنتيجة متوقعة لعدة تجارب صادمة أدت لفقدان الثقة.. أحداث 9/11 وتفجيرات مدريد ولندن وأسطنبول والتي خلقت إحساسا بعدم الأمان في المجتمعات الغربية.. الرد العسكري في أفغانستان والعراق تحول إلي فشل وأعمال التعذيب التي عرفت في أبو غريب وجوانتنانمو أدت لشك الشعوب في الامتياز الأخلاقي للغرب. وجاءت الأزمة الاقتصادية في عام 2008 لتعطي انطباعا للناس أن النظام الاقتصادي الذي وضعوا ثقتهم واستثمروا أموالهم فيه كان مؤسسا علي أكاذيب. وقد أدت هذه الأزمة إلي إنهاء النمو الاقتصادي في دول كثيرة حول العالم.. لقد كان التغيير السياسي والاقتصادي في الصين ممكنا فقط بوجود نمو وتوقع تقدم اقتصادي .. وكان علي روسيا أن تتعامل مع صدمتها الخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
 
لم تكن هذه مجرد أحداث وإنما كانت ضربات موجعة للنظام وللقيم التي آمن الناس بها وأدت لمعاناة الشعوب من أزمة هوية ولمواجهتها كما هو متوقع لجأوا للتعلق بالماضي ولأفكار قديمة نجحت في الماضي وتزامن هذا مع ما يسمي بالحرب ضد أعداء في الخارج والداخل.
 
تطرفات العالم العربي
في العالم العربي كان أوضح مثال لأزمة الهوية وإنشاء الدولة الإسلامية مظهر متطرف من نتائج هذه الأزمة.
 
الصدمه الأولي التي تعرض لها العالم العربي كانت المواجهة مع الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت في 1799 والتي فجرت الصراع بين الحداثة والأصالة وكان إلغاء كمال أتاتورك للخلافة الإسلامية في 1924 وتأسيس حسن البنا لجماعة الإخوان المسلمين تأثيرات في استمرار هذا الصراع ومع ذلك فإن المحدثين كانت لهم في تلك الفترة اليد العليا في إدارة البلاد ونجحت الأحزاب الليبرالية في تحديث العالم العربي والحصول علي الاستقلال السياسي ولكنهم فشلوا في إخراج الاستعمار وجاء جمال عبد الناصر بسياسته المستقلة الاشتراكية ودعوته للوحدة العربية فقضي علي الليبرالية والديمقراطية وجاءت الهزيمة المهيمنة في 1967 من إسرائيل لتشوه مصداقية النظم العلمانية وتفتح الطريق للإسلاميين المتشددين.
 
لقد أدت أموال البترول السعودية والحرب المقدسة ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان وتأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والغزو الأمريكي للعراق إلي ارتفاع التطرف الإسلامي إلي مستويات عليا وأدت لإنشاء المنظمات المتطرفة من كل نوع.
 
ثم جاءت ثورات الشعوب العربية في عام 2011 التي كانت تعرف جيدا ما لا تريد وهو النظم الديكتاتورية الحاكمة ولكنها كانت منقسمة فيما تريده بعد ذلك وأدي ذلك لدخول الإخوان المسلمين إلي الحلبة ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا وخسروا مصداقيتهم .
 
يشعر العرب الآن بالضياع.. لا يدرون ماذا يفعلون بدينهم.. الذين يعانون اكثر من غيرهم أزمة الهوية يرون في  الدولة الاسلامية الملاذ الأخير لكن معظم العرب يرون في هذه الدولة إفلاس في الأفكار الجديدة وهم في حيرة.. ماذا يختارون ؟ الاستقرار أم الديمقراطية؟ الدولة الدينية أم الدولة العلمانية؟ الوحدة العربية أم الاستقلال الوطني ؟ الاتجاه إلي الغرب أم الاتجاه بعيدا عنه ؟
 
التجربة المصرية التي يحكم فيها الآن الرئيس السيسي حكما قوميا شموليا أعطت زخما للحكام الشموليين الآخرين مثل ملوك السعودية والمغرب والأردن والنظام الجزائري .. وأوضح هذا أن في العالم العربي طريقان للقبلية.. إما القومية الشمولية وإما التطرف الديني وكل منهما العدو اللدود للآخر وما نراه الآن من حرب إعلامية ما هو إلا بداية صراع عميق ومدمر في المنطقة.
 
أشباح أوروبا القديمة
علي مدي التاريخ عانت أوروبا أزمات الهوية ولقد كان تكوين الاتحاد الأوروبي قصة نجاح أمكن من خلالها لأول مرة في التاريخ أن يتنازل أعداء الأمس عن بعض من سيادتهم لمنع حروب أخري.. ومن خلال ذلك تحولت ديكتاتوريات فقيرة إلي ديمقراطيات غنية.. لقد كان في التكامل الأوروبي الرد الأفحم علي أفكار الفاشية والقومية الشمولية والشيوعية والعنصرية وقد أصبحت السوق المشتركة مصدرا لرفاهية أوروبية مشتركة.
 
بعد 15 عاما من سقوط حائط برلين في 1989 أصبحت 8 من الجمهوريات الشيوعية الـ 11 أعضاء في الاتحاد الأوروبي وقد سبب هذا مخاوف في أوروبا من انتشار الجريمة المنظمة وانخفاض أجور العمال وترتب علي هذا ارتفاع نجاح الاحزاب اليمينية في الانتخابات بنسبة 20 % في بلجيكا وهولندا والنمسا وفرنسا.
 
في ديسمبر 2004 بدأت مفاوضات انضمام تركيا إلي الاتحاد الأوروبي وتسبب هذا في زيادة حدة النقاش بين مؤيدي دخول دولة إسلامية في الاتحاد وبين المعارضين واستيقظت المخاوف التاريخية من الإسلام الذي حاول مرتين قهر أوروبا. وعلي خلفية الأعمال الإرهابية التي تمت في ذلك الوقت عارض اليمين الأوروبي بشده دخول تركيا وتم انتخاب أنجيلا ميركيل ونيكولاس ساركوزي علي أساس معارضتهم الشديدة لدخول تركيا إلي الاتحاد الأوروبي. وترتب علي ذلك التراجع عن النص الأصلي للدستور الأوروبي واستبدل باتفاقية لشبونة التي خففت سرعة  التكامل الأوروبي.
 
بعد ذلك في عام 2008 ضربت الأزمة الاقتصادية أوروبا بعنف حيث لم تكن منطقة اليورو مستعده لصدمة من هذا النوع وكاد اليورو أن ينهار تماما. وعلي مدي أشهر بدا وكأن اليونان والبرتغال وألبانيا وأيرلندا وحتي إيطاليا علي وشك الإفلاس.. وكان رد فعل الاتحاد الأوروبي مترددا .. لقد رفض الشمال الأوروبي أن يدفع ثمن أخطاء الجنوب وأدي التأخير في رد الفعل إلي أن الأزمة أصبحت مزمنة وحتي الآن . في عقول وقلوب كثير من الأوروبيين انكسر الحلم الأوروبي وأدي ذلك إلي ارتفاع نسبة نجاح الأحزاب المعارضة للأوروبية والأحزاب القومية الشمولية.
 
تعقدت الأمور أكثر بفشل النظام الأوروبي في معالجة الأزمة الأوكرانية في مقابل عزيمة وجرأة النظام الروسي الذي احتل القرم وأوكرانيا الشرقية. أصبح التكامل الأوروبي في خطر.. وتساءل البعض عما إذا كان هذا التكامل هو المشكلة وليس الحل ونادي الكثيرون بالخروج من منطقة اليورو بل ومن الاتحاد كله.. ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية شوهدت مظاهرات عنصرية في ألمانيا لكن العدو هذه المرة لم يعد اليهود بل المسلمين.!
القبلية تضرب بعنف في أوروبا وأزمة اللاجئين الحالية تزيد من حدة المشكلة ومن الصعب التنبؤ كيف ستنتهي الأمور ولكن تفكك الاتحاد الأوروبي قد لا يكون بعيدا.
 
روسيا الإمبريالية
كان لتحطيم سور برلين في 1989 وانهيار الاتحاد السوفييتي بعده بسنتين أثر صادم في روسيا.. روسيا الأم التي ظلت أحد قطبي العالم الكبرتين أصبحت فجأة هذه الطفلة المريضة. وسارع الغرب بتقديم المساعدات السريعة لاستيعاب روسيا في الرأسمالية العالمية وبدأت عملية التحول إلي الديمقراطية تتم بشكل فوضوي.
 
ليس من الصعب تصور الحيره التي شعر بها المواطن الروسي .. فجأه اختفي كل شئ كان يؤمن به ويعمل من أجله .. لقد عاني الشعب الروسي نفسيا بشكل كبير في خلال فترة التسعينيات 
لقد تضاعفت المرارة عندما شاهد الروس حلفاء الأمس يشاركون في حلف الناتو عدوهم اللدود .. وعندما تزايدت حدة الخطورة نظمت المخابرات الروسية انقلابا صامتا دفعوا من خلاله بأحدهم إلي كرسي الرئاسة.. فلاديمير بوتين.
 
لقد كانت مهمة بوتين واضحة من البداية: استرجع مكانة روسيا.. ولتحقيق ذلك لم يتوان عن أن تكون لروسيا هوية سلبية عن أن تكون لها هوية ضعيفة.. كان الهدف الأول منع بقية أجزاء روسيا من الانفصال وكان الهدف الثاني أن تعود روسيا لصدارة المسرح العالمي وأوقظ بوتين أحلام استعادة أمجاد الإمبراطورية القديمة.
وكان العدو الذي يمنع تحقيق هذا الحلم هو الغرب الليبرالي..
 
لم تكن استراتيجية بوتين محببه للروس فقط بل استلهمها أردوغان في تركيا وخلق بدوره لنفسه أعداء في مصر واسرائيل بل وفي داخل تركيا من الليبراليين ومؤيدي جولون والجيش .. بل إن استراتيجية بوتين أصبحت مقبوله عن البعض في أوروبا حيث وجدت الأحزاب اليمينيه فيه حليفا ضد منافسيهم من الأحزاب الليبراليه.
الولايات المتحدة المنقسمة
مازالت الولايات المتحده هي القوة العظمي الوحيده في العالم ومع ذلك فإنها في خلال الـ 15 سنة الماضية تعرضت لصدمات خطيرة.. فبعد 10 سنوات من انتصارها علي الاتحاد السوفييتي تعرضت لضربة 9/11 وفشلت حربها في العراق وأفغانستان في القضاء علي الأعداء الإرهابيين. لقد سببت حرب أمريكا المستحيلة في العراق شرخا في مصداقية العسكرية الأمريكية .. لم توجد أسلحة دمار شامل وهذا نزع شرعية الحرب "وزاد الطين بلة" ما عرف عن التعذيب في أبو غريب وجوانتنامو .. وأصبحت هناك حيرة كبري .. البقاء في العراق إلي الأبد حل سيئ وأسوأ منه كان الخروج وخلق فراغ استغلته الدولة الإسلامية لإنشاء حكم بربري. 
 
لقد أدت هذه المجموعة من الصدمات إلي معاناة الأمريكيين من أزمة هوية.. بلدهم الذي كان مثالا للامتياز خسر كثيرا من مصداقيته وأدي هذا إلي اشتياق للعودة إلي الانغلاق .. القبلية.. ولأول مرة منذ عام 1964 أظهرت الاستفتاءات أن 52 % من الأمريكيين يفضلون عزلة أمريكا والتفاتها إلي مصالحها الخاصة.
 
بل إن الشعور القبلي ظهر بأكثر من هذا في الاستقطاب الكبير الذي لوحظ بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حيث أظهرت الاحصائيات أن كلا من الحزبين ازداد تمسكا بمبادئه الأصلية وابتعد عن المساحات المشتركة التي كانت تقرب بينه وبين الحزب الآخر.
 
الغريب أن هذا الوضع امتد ليؤثر علي علاقات واختيارات الأفراد.. فالولاء للحزب يحدد الآن الصداقات والقناة الإخبارية التي يشاهدها الأمريكي وهكذا .. هذه القبلية تضر بالولايات المتحدة.. لقد أصبح من الصعب جدا تمرير أي قانون في الكونجرس .. ايضا تضر علاقاتها الخارجية .. فقد وصل الأمر إلي حد أنه بينما كان الرئيس باراك أوباما الديمقراطي يفاوض إيران أرسل 47 سيناتور جمهوري رسالة إلي رئيس إيران ينذروه فيها بأنهم لن يوافقوا علي الاتفاق الذي سيصلون إليه.
 
آسيا غير المعلومة
لم تتعرض آسيا لصدمات من النوع الذي تعرضت له القارات الأخري ومع ذلك فإن هناك نذر تشير إلي أن أزمة هوية قادمة في الطريق.. السبب اقتصادي لأن معدلات النمو الاقتصادي في آسيا رغم أنها ما زالت مرتفعة إلا أنها آخذة في الانخفاض ففي 2012 سجل الاقتصاد الصيني أقل نسبة نمو منذ فترة طويلة.. ويبدو أن الرئيس تسي عمد إلي استعادة سياسات الزعيم التاريخي ماوتسي تونج وشكل الصراعات المتوقعة تنبئ بأزمة هوية مره أخري في الصين.
 
في 2014 انتخبت الهند نارندرا مودي كرئيس وزراء لها وهو من القوميين الهندوسيين وربما كان مسئولا عن مذبحة المسلمين التي جرت في جوجارات عام 2002 عندما كان الوزير الرئيسي هناك. ومنذ توليه السلطة فإن هناك تقاريرا تفيد بارتفاع حدة الصراعات العرقية في الهند.. ليس معلوما إلي متي سيستمر هذا الوضع إلا أنه من الواضح أن الهند تتجه سريعا إلي القبلية.
 
الخلاصة
كل المؤشرات تشير إلي تراجع العولمة في قارات العالم لأسباب مختلفة.. بل أن العالم يبدو وأنه ترك طريق العولمة واتجه إلي القبلية.. المشكلة هي أن التاريخ علمنا مرات ومرات أنه لا خير يمكن أن يترتب علي ذلك...
 
ملحوظة للمترجم
قرأت المقالة بتمعن ورأيت لأهميتها أن ألخصها لمن يقرأ بالعربية وكان في هذا إعادة قراءة لها لكي أستوعبها تماما. 
متفق مع آراء الكاتب إلي حد كبير في بعض الأجزاء (فيما يختص بمصر والولايات المتحدة) كما أختلف معه إلي حد كبير في أجزاء أخري ( خاصة في بعض تقييمه لحال الشرق الأوسط )

هناك تعليقان (2):